القائمة الرئيسية

الصفحات

المرأة الحمويّة في منابر الصحافة المنسيّة


بقلم: عمر فارس يونس

حماة 1930

تصوّروا حضرات الفضلياتِ و الأفاضل :

أنّ الآباءَ والأجدادَ الذين افترشوا بساط حمــاة ، و أترعوا من غدقِ مائها و عبق هوائها ، كانوا يمتلكون في حنايا قلوبهم مساحاتٍ واسعةً من سِعة الصّدر و بعد النظر بوّأتهم لأن يرحبّوا بولادة أوّل مجلة نسائيّة في القطر كلّه قبل قرابة قرن من الزّمن ، في ربوع حماة ، دون أن يناصبوها العِــداء أو يشهروا في وجهها البطاقةَ الحمراء ، تقديراً منهم لذوات الخِــدر و العفاف من الأمهّات والأخوات و البنات ، و ردّاً على دسائس المستعمر الفرنسي الذي ضاق ذرعاً بحضورها الفكريّ الأثير و رسالتها الباعثة على التفتّح و التطوير , فضيّق عليها الخناق ، و فرض عليها التوقّف و من ثَمّ الإغلاق عام ١٩٣١ بعد عامٍ يتيم من بــَدء انطلاقتها و انتشارها.
تعتبر مجلّةُ المرأة باكورةَ المجلاّت النسائيّة السوريّة المتخصّصة و من الأقدم و الأعرق على صعيد الوطن العربيّ , أنشأتها في مدينة حماة نديمة المنقاري عام ١٩٣٠م ، وقد صدر العددُ الأوّل منها في أواخر تشرين الأوّل من العام نفسه تحت عنوان ( المــرأة .. مجلة نسائية شهرية ) في اثنتين و ثلاثين صفحةً من القطع المتوسّط و الورق الأنيق و الحرف الطباعيّ الواضح و الدّقيق الذي امتازت به مطبعة الإصلاح بحماة.
استهلّت صاحبة المجلّة الافتتاحيّة بكلمة تقديم أفصحت فيها عن هدفها الماثلِ بنشر الثقافة ورفع مستوى المرأة في مجتمع اضطربت فيه الآراء حيالها و تعدّدت المذاهب , و كثر الباحثون في شؤونها و قلّت الباحثات ... وجرياً على العادة فقد أهدت غرّةَ انتاجها إلى شيخ الصّحافة والأدب محمّد كرد علي اعترافاً بسعيه الصّالح و أياديه البيضاء.
و بعد أن توردَ قوله تعالى : ( ومن آياتِه أن خلقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها .. حتى آخر الآية ) تنطلق مقالات المجلّة بعدها بانتظام و وضوحٍ لا يعتوره إحجامُ أو تــردّد ، عبّرت عنه المحرّرة في المقالة الأولى بقولها : ( ذهب بعض الباحثين إلى بقاء المرأة على الفطرة الطبيعيّة زاعماً أنّ الخير في عدم تعليمها وتثقيفها .. وذهب بعضهم إلى ضرورة مساواة المرأة بالرجل في جميع نواحي الحياة .. وتعليمها كلّ ما يجب أن يتعلّمه الرّجل .. فأخرجتُ هذه المجلةَ لتكون وسطاً صالحاً لمباحث السيّدات الفاضلات).
بينما حملت المقالتان الثانية والثالثة في طيّاتها نفحاتٍ من الثناء و التقريظ بحقّ المجلّة وصاحبتها خطّه قلم عبد الحميد الجابري من حلب ، والآنسة نجيبة الأرمنازي من حماة التي أبدت دهشتها من قعود المرأة السوريّة والحمويّة خصوصاً عن مبتغاها لأسباب لا تستند إلى أسس ثابتة من الحقائق و المسلّمات.
فتحت المقالة الرابعة صدرَها للعلاّمة سعيد زهور عدي ليدلي بدلوه بين دِلاء كتّاب العدد في بحثه التحليليّ عن الخنساء تُماضِر بنت عمرو ، حياتِها وشعرها ، كأنموذج صالح للمرأة العربيّة زاخر بالمآثر و المفاخر .. بأسلوبٍ سلس خالٍ من التكلّف والتصنّع و الابتذال.
أمّا المقالة الخامسة فقد أفردت صفحتيها لإبراز مناقب نازك بيهم زوجة العلاّمة محمد جميل بيهم ، السيدة الشامية التي ترأست مؤتمر الهند النسائيّ .. أعقبتها مقالةٌ بعنوان ( التعليم الثانوي للفتاة و حدوده ) كتبها جان غولميه مدير الدروس الفرنسية في تجهيز حماة , و دعا فيها إلى تأسيس التعليم الفنّي العملي النسائيّ و فرش طريق تحصيلها العلمي بالورود كي تجوبَ آفاقه و تصلَ بالمتابعة إلى ذروة سنامه.
و كان للشرع الحنيف مقعدُه الوثير بين مقالات العدد ، شغله القانونيّ عبد الجواد السرميني المأذون من حقوق باريس بمقالة حملت عنوان ( أهليّة المرأة في الشرع الإسلامي ).

و يختتم العددُ مقالاتِه بقصيدة من الشّعر المنثور ، جاء فيها :

(لا حياةَ لأمّةٍ مات نصفها ولا رجاءَ لشعبٍ شلّ أكثره).
ولقد طرّز غلاف العدد بعضٌ من الإعلانات المتنوّعة التي تلقي قبساً من الضّوء على المشهد الاجتماعيّ والثقافيّ بحماة ١٩٣٠ كتقويم مطبعة الإصلاح بحماة لصاحبها عبد الحسيب الشيخ سعيد ... وأسماء كتبٍ لفظتها المطابعُ وقتئذٍ ، هي : كرة القدم لعبد الرحيم الغزّي ، وسلسلة التاريخ لنعمان سخيطة ، و كتاب الفتى والفتاة في الردّ على الآنسة نظيرة زين الدين مؤلّفة كتاب السفور والفتاة.
وتحت شعار المجلّة ( المرأة مربية الرّضيع ومعلّمة اليافع ودليل الشاب ورفيق الرّجل ) انطلقت مقالاتُ العدد الثاني بقدمين أكثر رسوخاً وثباتاً صدى ما حصدته المجلّة حينها من رضى وترحيب في المشهد الثقافيّ الحمويّ وفي أوساط وجهائها و علمائها ما أعطاها جرعةً من الدّفــع ، ومسح عن محيّاها الغضّ حمرةَ الخجل التي صبغت وجه العدد الأوّل من المجلّة وطبعت مقالاته بطابع التقريظ والارتجالية فحسب.
وقد قصّ العدد الثاني شريطَ صفحاتِه بمقالة للسيد فائز بك الخوري حملت عنوان ( أيّتها الأخت ) تناول فيها حقوقَ المرأة المسلمة بأسلوب واضح يجمع في مضمونه بين ثراء المعرفة وبراءة القصد من التحامل و الزّلل .. بينما اشتملت المقالة الثانية على قصيدة من الشعر القصصيّ النضير لشاعر العاصي بدر الدين الحامد بعنوان ( الفتاة الشقيّة ) بدأها بقوله :
بيضاءُ كالصبح المنير .. كحــلاء كالظبي الغرير
غيداء في روض الشباب .. كبرعم الورد النضير
وتحت عنوان ( ليلى الأخيليّة ) شقّ بنان الأديب عمر يحيى المرصّع بالفصاحة و البيان طريقه عبر صفحات المقالة الثالثة مشيداً بعزّة نفسها و متانة شعرها رغم مخالطتها للخلفاء و الشعراء زمن بني أميّة ، في حين ضمّت المقالة الرابعة باقة من أزهار الثقافة العلمية بعنوان ( افتح عينك ) زيّن بها عِقــدَ المجلة الدكتور توفيق الجيجكلي , و رصد في تلافيفها طرفاً من المعالجات المتخلّفة لأمراض العيون ..
وفي المقالة الخامسة تابع الأستاذ سعيد زهور عدي حديثه المتسلسل عن الشاعرة الخنساء .. تلتها مقالة بعنوان ( اضحك و أضحكني ) لأديب كبير ضنّ بذكر اسمه كما عرّفته المحرّرة .. تبعتها العديد من المقالات الأخرى المتنوعة لعلّ أبرزها مقالة عن المرأة الحمويّة أطلقت فيها كاتبتها التي اعتصمت باسم حذام زفراتٍ حرّى تدعو إلى فكّ أغلال المرأة من قيود التعصّب و الشقاء اللذين يأباهما الشرع الإسلاميّ الحنيف.
ولقد حمل الغلاف الأخير إعلاناً بالمطبوعات الحديثة التي اقتصرت على مجلة الدهور الصادرة عن جمعيّة التضامن الأدبي في بيروت ، و على رواية غادة الشوير للآنسة جوزفين مجاعص.

احتوى العدد الثالث بين دفتيه المقالات الآتية :

- أيتها الأخت لفائز الخوري .
- الثرثار عن الفرنسيّة لــ لابرويير
- المرأة العربية المسلمة لإبراهيم مجاهد الجزائري .
- افتح عينك .. متابعة للدكتور توفيق الجيجكلي .
- هدف التعليم الابتدائي للأستاذ الشيني .
- فاطمة ... قصّة واقعية لعوني جحا .
- جنون الموضة ... لعائشة الصوفي .
- المرضة الكبرى ...للدكتور خالص الجابري .
- بالإضافة إلى مقالات سريعة أخرى يضيق المقام عن ذكرها أو الإحاطة بعناوينها.
وأطلّ علينا العدد الرّابع بمقالة للأستاذ المغربي حملت عنوان ( حديث أم زرع ) و هي محادثة نسائيّة بليغة و حافلةٌ بطيب المقال و بديع الأمثال جرت بين إحدى عشرة امرأة زمن الجاهليّة تناهت مفرداتها إلى سمع السيّدة عائشة رضي الله عنها بعد حين , فتمثّلتها و أشادت بها ، تلتها مقالتان تنفسّتا من رئة واحدة ، حملت الأولى عنوان ( أيتها الفاضلة ) لأحمد سراج الترمانيني ، بينما تحدّثت الثانية عن ( المرأة المسلمة ) دبجتها يراع الناشر عبد الحسيب الشيخ سعيد.
وتطلّ علينا المقالة الرابعة من شرفة الأديب النجيب عمر يحيى بعنوان ( المرأة في تاريخ الأدب العربي ) ، ويأبى شاعر العاصي بدر الدين الحامد إلا أن يكون له في صفحات العدد نصيب من الإمتاع والإبداع بمقالته النثرية ( عزيزتي ) ... أعقبتها مقالات أخرى تنحو منحى التنوّع و التثقيف.
وبسبب انشغال عمّال مطبعة الإصلاح بعطلة العيد ، اعتذرت إدارةُ المجلّة من قرّائها و اضطرّت لإصدار العددين الخامس والسادس في أضمومة واحدة.
طالعنا في غرة العدد سؤال طرحته صاحبة المجلة : لماذا يجب على كلّ فتاة أن تشترك في مجلة المرأة ؟ وأجابت :
١- لأن مجلّة المرأة لسانُ حال المرأة العربية التوّاقة إلى التجدّد و التقدّم.
٢-لأنّها ميدان أقلام مشاهير الاجتماعيّين و نصراء المرأة المفكرين.
ثمّ ما تلبث مقالات العــدد أن تنفلتَ من عقالها وتنطلق في نسق متتابع لتحتلّ أمكنتها على بساط هذه الحديقة الوارفة الخمائل و الفضائل ، ابتدأ العدد بمقالة لعلامة الشام عبد القادر المغربي في متابعته لحديث ( أم زرع ) و اقتفت أثرها مقالة ( المرأة المسلمة ) لعبد الحسيب الشيخ سعيد .. ثم مقالة تحمل عنوان ( الطلاق ) نفثها يراع الأديب أمين كيلاني .. ثم مقالة للمحامي نعيم الانطاكي اتخذت من ( النهضة النسائية والأخلاق ) عنواناً لها ، تلتها مقالة للبنانيّ يوسف نجا بعنوان (المرأة و الرّجل في ميدان الحياة ) ثمّن فيها غالياً ما تعرضه صفحات المجلّة الزّاهرة من أبحاثٍ رائعة تنهض بالوسط النسويّ السّوري و تهيب بالمرأة العربيّة إلى ذرا الرقيّ الفكري و النهوض الاجتماعيّ.
ثمّ خاض المحامي الدّيري حسين رمضان في موضوع الميراث رداً على مقالة سابقة لهجت بحروفها أنفاس المجلّة الغــرّاء .
ونقرأ في جوانب العدد مقالة يبحر فيها الشيخ طاهر أفندي النعسان في أعماق التاريخ الإسلامي ليجلو شخصية ( خديجة أم المؤمنين ) بأسلوب أدبيّ جذّاب.
تنهمر على القارئ بعدها وابل من المقالات النسائية الرّائعة خطّتها الأنامل الناعمة الآتية : نديمة المنقاري ، عدوية الأتاسي ، نوجهان الحسني ، دريّة كمال ..
- ساوت الأولى في القوى الفكريّة بين الجنسين ممّا يترتّب عليه ثمّة تكافؤ في الحقوق و الواجبات.
- في حين أكبرت الثانية بالمرأة العربيّة التي كانت تقود الجحافل , و تدير زمام الأمور .
- بينما عقدت الثالثة مقارنة اجتماعيّةً بين حال المرأتين الشرقيّة و الغربيّة.
- و أمّا الرّابعة فقد ساقت قصّة مترجمة تحكي صنيعَ امرأة أمريكيّة تنكّرت في ثياب رجل مدّة سبعين سنة كأكبر جرّاحي الولايات المتّحدة.
و يستوقفك خبر الانتهاء من بناء مدرسة التجهيز بحماة ( ثا/عائشة حاليا ) : ( والبناية ضخمة جدا فيها ٤٤ غرفة وصالة ... أنفقت عليها الحكومة ٢٥٠٠٠ ليرة ذهبية .. وقد وضع حجر الأساس لبنائها الجنرال ساراي المفوض السامي الفرنسي وصبحي بركات رئيس دولة سوريا والدكتور رضا سعيد وزير المعارف و نورس الكيلاني متصرف حماة في ٢٤ أيار سنة ١٩٢٥.

وضمّ العددُ السابع والأخير ، ممّا بحوزتي من مجلة المرأة ، مجموعةً من المقالات منها :

- إلى رفيقتي للأستاذ وجيه الخوري.
- طاقات الزهر والأزهار للأستاذ عمر الترمانيني.
- البدويّات للسيّد عمر يحيى.
- مسرح العواطف للسيد بدر الدين الحامد.
- قصيدة ملكة تدمر لشبلي الملاط.

و قد ضمّ الغلاف الأخير إعلاناً تضمّن تعريفاً بالمجلاّت الآتية :

- مجلة الكليّة الأمريكية ببيروت.
- مجلة الدهور لابراهيم حدّاد ببيروت.
- مجلة الحديث لسامي الكيالي بحلب.

ملاحظة :

كان بودّي أن أتناول كلّ عددٍ بالتفصيل لتعمّ الفائدة و يتّسع الإطّلاع لكني آثرت التغطية الإجماليّة لأعداد المجلّة بدايةً على أن تعقبها نظرات تفصيليّة لهذه التحفة النّادرة والوثيقة التاريخيّة الهامّة قد ألجأ إليها بإذن الله في قادمات الأيّام رغم ما كانت تتوهّج به مقالات تلك الأيّام من فخامة تركيب وجزالة أسلوبٍ وصعوبة ألفــاظ.
ينتهي بنا الحديث عن مجلة المرأة , و يبقى عبقٌ من شذا العرفان و الامتنان يستوجبه مقام صاحبتها الفاضلة في ثلّة من السطور :
ولدت نديمة المنقاري في حلب عام ١٩٠٤ ، و علّمت اللغة الفرنسية في حماة التي قصدتها بصحبة زوجها عطا الله الصابوني.
صدرت مجلة المرأة في بلد العاصي والنواعير عام ١٩٣٠ ، و بعد أن أوقفتها السلطات الفرنسية لمناهضتها سياسة الانتداب عاودت إصدارها بدمشق عام ١٩٤٧ غبّ الاستقلال بثوب جديد و غلاف ملوّن مضمّخ بالجمال.
توفيت رحمها الله عن سبعة و ثمانين عاما سنة ١٩٩١.
هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع