![]() |
فاطمة محمد عبود اللجمي |
دائما كان سروري عظيما عندما كنت أحضر حفلات تكريم لبعض الرجال أو النساء ، الذين كانت لهم تأثيرات في مختلف نواحي الحياة التي ساهمت في نهضة المجتمع العربي العام أو المجتمع المحلي الخاص ، والسرور الأعظم يكون عندما يكون المكرم حي يرزق ، يحضر احتفال تكريمه في مكان عام ، أو في بيت خاص.
ومن وجهة نظري أن التكريم يكون بعدة أشكال منها الأمكنة العامة ، ومنها البيوت الخاصة ، وأيضا الكتابة في الصحف العامة وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. وإن أساس نهضة المجتمع ، أي مجتمع تكون بداياتها العلم والعمل على تسريبه بفن رائع من قبل أساتذة قديرين ووطنيين ، ومعلمات ذكيات يحببن المدرسة وتلامذتها محبتهن لبيوتهن وأولادهن.
ويحضرني الاّن وأنا أكتب هذه المقالة أسماء بعض رواد نهضة مجتمعنا الأساتذة الذين ساهموا مساهمة فعالة في تعليم الأجيال الصاعدة في الربع الأول والثاني من القرن العشرين مثل الأساتذة الكرام الشيخ سعيد زهور عدي والمربي أمين الكيلاني والشاعر عمر يحيى والأستاذ عثمان الحوراني والأستاذ أحمد الوتار والأستاذ هاشم الصيادي.
ومن النساء المربيات الفاضلات خيرية الترمانيني وفوزية الريس وظهيرة كوجان وسكينة الترمانيني وشهيرة النعمان وأنيسة برازي وفاطمة الخطيب وأنعام البارودي وأسعاف حداد..الخ وبعد الرواد الأوائل ظهر كثير من المربيات والمربين الأفاضل بعد نيل سورية لاستقلالها وساهموا في العملية التربوية الصاعدة ..ومن هؤلاء المربية الفاضلة فاطمة اللجمي أم محمد أطال الله في عمرها ورحم الله زوجها عدنان أبوطوق رئيس ديوان العدلية سابقا في حماة ، والذي ساهم في اعطائها المجال لتحسين أداءها في عملها التربوي في مدارس حماة المختلفة.
تولدها
وُلدت المربية الفاضلة فاطمة اللجمي عام 1929 في حي باب البلد بحماة ضمن أسرة ربها وزوجته محبان للعلم ، فشجعا ولدهما البكر على التعلم ومتابعته فنال أفضل الشهادات في عصره وتولى أرفع المناصب وهو الأديب والمغكر المعروف أديب اللحمي رحمه الله.
النشأة والدراسة
انتسبت التلميذة فاطمة اللجمي الى مدرسة الملك المنصور الابتدائية ونالت منها شهادتها " السرتفيكا " عام 1941 وحصلت على الدرجة الأولى في تلك المرحلة ، وتابعت دراستها الأعدادية في مدرسة الشرف بحي الباشورة ، وكان مديرها الصيدلي " نايف السبع " الذي كان يدرس الكيمياء اضافة لعمله الاداري ، وكان يشتهر بمتابعة أحوال الطالبات بدقة متناهية وحمايتهن من أي عبث.
ومن مدرسي هذه الأعدادية الأستاذ عثمان الحوراني للغة العربية والتاريخ ، وأسعاف حداد للرياضيات ..وفي العام 1945 تخرجت الفاضلة فاطمة اللجمي ، من تلك الأعدادية وانتسبت الى دار المعلمات في حلب وتخرجت منها عام 1948 بتفوق كبير ، فعُينت من فورها مدرسة مساعدة منتدبة للصفوف الاعدادية في ثانوية السيدة عائشة لتدريس مادة الاجتماعيات ، ثم انتقلت الى أعدادية الراهبات ودرست فيها أيضا وكان مجموع خدماتها في الأعداديتين خمسة عشر عاما.
بداية مرحلة التدريس
وفي العام 1964 تم تعيينها مديرة لمدرسة أم البنين الابتدائية المحدثة في حي البارودية بحماة .وبقيت فيها حتى عام 1969 ، حبث عٌينت مديرة لمدرسة صفية القرشية في حي الجعابرة.
وفي العام 1973 تم تعيينها مديرة لمدرسة العباسية المحدثة في مكان الثانوية التجارية مع مدرسة أبي تمام.
وفي العام 1985 طلبت احالتها للتقاعد بعد وفاة زوجها بثلاث سنوات هذا ملخص مسيرتها في التدريس وفي الأعمال الإدارية ، ولكن لا بد لنا من أن نذكر مساهماتها الغير مأجورة والتي عملت بها بالاضافة الى عملها الأصلي أثناء مسيرتها ، نذكر منها أنها كانت من أعضاء اللجنة التأسيسية لجمعية الفتاة العربية التي أُعلن عنها عام 1950 والتي أصبح اسمها فيما بعد "جمعية المرأة العربية".
وكانت هذه الجمعية النسائية هي الأولى في حماة ، وأول من ترأسها المربية الفاضلة " درية هاروش " التي أعطت جميع وقتها للجمعية ، وهي بالأصل مديرة لاحدى المدارس ، وقد عمل جميع المنتسبات الى الجمعية من معلمات ومديرات مدارس بدون أجر ومن هؤلاء المربية فاطمة اللجمي التي عملت فيها كنائبة للمديرة درية هاروش ومحاسبة لصندوق الجمعية.
وكان أعضاء الهيئة الادارية لجمعية الفتاة العربية : المعلمة أسعاف عطورة /أمينة للسر .. المعلمة سعاد امام ، ليلي نزهة، المعلمة منيرة علوش /عضوات ، المعلمة سلوى دلال /أمينة للصندوق.
وبعد سنة من تأسيس الجمعية أي في عام 1951 تم افتتاح أعدادية للبنات للواتي لا يسمح عمرهن بالانتساب للمدارس الحكومية ، وتهافت على تلك المدرسة أعداد هائلة من فتيات المدينة وريفها ، وكانت المعلمات لا يتقاضين أجرا ، فنهضت الجمعية ومدرستها وتطورت مساهمتها الى محو الأمية للسيدات مهما كان عمرهن مع العلم أن مكان الأعدادية كان في حي المرابط.
وفي العام 1955 انتقلت رئيسة الجمعية درية هاروش الى دمشق ، فتولت العضوة المؤسسة " مفيدة الركبي " رئاسة الجمعية ، وفي عهد السيدة مفيدة الركبي برئاستها للجمعية تم تطوير اعمالها ، مثل شراء أرض من الأوقاف بنيت عليها مدرسة ومقر للجمعية ، وأصبحت مدرستها تضم الحضانة والابتدائي والأعدادي والثانوي ، أي جميع المراحل التعليمية.
وفي الخمسينات تم انتخاب المربية فاطمة اللجمي عدة مرات في " هيئة المعلمين " والتي سُميت بعد عام 1963 بنقابة المعلمين.
وفي العام 1958 قامت المربية الفاضلة "فوزية الريس" بتأسيس "جمعية رعاية الجندي" وسمت المعلمة أمل حلبي الصباغ نائبة لها ، وسلمت السيدة فاطمة اللجمي أمانة سر الجمعية ، وكان نشاط تلك الجمعية ينحصر في زيارة الثكنات العسكرية وتقديم الهدايا الرمزية للعسكريين المميزين.
وقبل ختام هذا الفصل من المقال لا بد من العودة الى عام 1967 الذي تأسس فيه الاتحاد النسائي في سورية ، حيث كانت المربية فاطمة اللجمي من بين أعضاء اللجنة التحضيرية الفرعية ، ثم تم تكليفها برئاسة المكتب الاداري الأول في حماة المشكل من الأخت حكمت بطرش نائبة للرئيسة والأخت منتهى مازوني أمينة للسر والأخوات انتخاب نجار وليندا جحجاح ونورية الدريعي ومنور مخلوطة أعضاء .ولما تكلل التأسيس بالنجاح قام الاتحاد النسائي في حماة بتشكيل عدة وحدات في أحياء حماة وأخرى في المعامل ، وروابط في السلمية ومصياف ومحرة وصوران والغاب.
وقبل الختام لا بد من تلخيص الحياة الاجتماعية لهذه الأسرة الكريمة ...فوالد المربية فاطمة اللجمي محمد عبود اللجمي ولد في حماة عام 1882 وتعلم في مدارس الكتاب بمساعدة خاله الشيخ حسني الحافظ وعمل في شبابه موظفا في بلدية حماة ، ثم تم سوقه الى الخدمة العسكرية في الجيش العثماني وقاتل على جبهة فلسطين ، فأصيب في احدى المعارك ، وتم نقله الى المستشفيات في الداخل السوري ثم عاد الى حماة ، وأولاده ثلاثة ذكور وثلاث اناث ..
أما ابنته موضوع المقال فقد تزوجت من المرحوم عدنان أبوطوق ، ورزقوا ثلاثة ذكور وابنتان ، أما الذكور فهم : محمد يعيش في السعودية وحاصل على شهادة معهد هندسة ، وعمار فهو صيدلاني ، ووائل طبيب بيطري ، أما الفتاتان فهما مثل أمهما معلمتان فاضلتان / وهما اليوم قد احيلتا على التقاعد.
مصدر المعلومات :
هي زوجة خالي الغالي عدنان أبوطوق ، وهي معلمتي باللغة الفرنسية في جميع مراحل دراستي ، أي أن أكثر ماورد من معلومات منها ، وهي تملك ذاكرة رائعة ، وأجلس معها كثيرا ومازالت تهتم بالمطالعة وأتداول معها المعلومات التاريخية دائما.
أطال الله بعمرها ودام عطاؤها ، وأولادها جميعا، والحمد لله بررة رائعين، ذكوراً واناثاً.
بقلم: خالد محمد جزماتي