صورة جميلة ملتقطة من احدى شرفات قصر الطيارة الكائن ضمن حي الكيلانية في مدينة حماة.

 

الدولاب الأفقي ( الكبير ) والدولاب العمودي ( الصغير ) وتعشيق المسننات

لِـحمـاةَ منـزلـةٌ أثيـرةٌ في النفْـسِ تـدفعُـنـي دائمـاً إلـى متـابعـة كـلِّ ما يُنشَـرُ عنهـا أو يمـتُّ لهـا بصـلة سـواءٌ أ كـانَ عـن رجـالهـا و أعـلامَهـا أم أحيـائهـا ونـواعيـرهـا أم خانـاتهـا و مسـاجـدهـا ، و بالتـالي متـابعـة العنـايـة والبحث و التـدقيـق و التقصـي وصـولاً إلـى إنجـازِ مهمتـي في الـتـدويـن وَ النشـر ليتعـرَّف الحمـويـون عـامـةً و أهـل التخصُّص في التـاريـخ و الآثـار و التـراث خـاصّـةً على ما وقعـتُ عليـه و وصـلـتُ إليـه بعـد تلك الـرحـلـة البحثيّـة المعرفيّـة.

و تأسيـساً على ذلك فقـد قـرأتُ قبل أعـوامٍ سلفَـتْ على صفحـة (حمـاة ناشيـونـال جيوغرافِك) مقـالاً فـريـداً جـاذبـاً في آنٍ معـاً يتنـاول آليّـة عمـل جـبّ المـدار قـديمـاً فـي مـدينـة حمـاة التي تقـومُ على رفـع الميـاه من أسفـل الجـبّ إلـى أعـلاه بطـريقـة بـدائيـة بسيطـة .. هـذا المقـال كان بتـوقيـع البـاحـث الحمـويّ المتخصّّص الأستـاذ منجـد منصـور.

و للأمـانـة أقـولُ إنَّ الذي جذبَنـي لهـذا المقـال فضـلاً عـن فـرادتِـه هـو طـولُ نفَـس كـاتـب المقـال الأستـاذ منجـد في البحـث و التقصـي حيثُ أتى بشيءٍ جـديـدٍ لـم يسبقْـه أحـدٌ إلـى تنـاولـه و كـل ذلك بهمـته الدؤوبـة و متابعـاتِـه الحثيثـة و لقـاءاتـه الكثيـرة مع المعمَّـريـن الذين تقـدّمـت بهـم السـنُّ و أدركـوا بذاكـرتهـم ذلـك الجـبّ و هـو يعمـلُ بتلك الآليّـة البسيطـة حتى خـرجَ إلينـا بـذلك المقـال التـوثيقـيّ حـول جـبِّ المـدار و آليـة عملـه.

لذلك لا غـرابـةَ أنْ يتـركَ المقـالُ بصمتَـه الـواضحـة في الـذاكـرة تستحـضـرُه كلّمـا أتـاهـا محـرِّضٌ ..

و لعـلّ الڤيـديـو الذي سأنشـره يمثـلُ ذلك المحـرِّض إذْ جعـلَ الذاكـرة تضـيءُ من جـديـد بذلك المقـال التوثيقـي بإبـداع و دأبِ الأستـاذ منجـد .. حيثُ يصـورُ الڤيـديـو آليـةَ عمـلِ الجـبّ و رفعـه للميـاه من أسفـلـه إلـى أعـلاه بطـريقـة بدائيـة بسيطة - كمـا أسـلفـتُ - هـذه الآليـةُ هـي ذاتُهـا آليـة عمـل جـبّ المـدار فـي مـدينـة حمـاة.

و بالـعـودة لِـمـقـال الأستـاذ منجـد نقـرأُ الآتـي :

كانت هذه الطريقةُ إحدى وسائلِ الإرواءِ قديماً في حماة ولكن على نطاق محلي محدود .. وقوامه (الجب) : أُقيم فوقَه دولابٌ خشبي أفقي يرتكز على عمود خشبي قائمٍ ؛ حيثُ يُدار هذا الدولاب بواسطة "دابّـة" (ثور - حمار - بغل) و هذا الدولاب الأُفقي يقوم بِـ تدوير الدولاب الخشبيّ العموديّ، وتكـون حركـةُ الدابّـةِ دائريةً (دوران) تدورُ حول الجب .. لذلـك سُـمّـي بِـ ( جـب المدار ).

نستطيعُ أنْ نقولَ :

إنَّ الآليةَ الميكانيكية التي يتمُّ من خلالها رفعُ الماء من أسفل الجـبِّ إلى أعلاه تتكون من دولابَـين ؛ كبيرٍ أُفقي و صغيرٍ عمودي.. وحبلَـين ينتهيان بِـدلـوَين أحدهما نـازل (فارغ) و الآخر صـاعـد -طـالـع- بالماء ليصبَّ في حوضٍ جانبيّ ، وتتمُّ عمليةُ اغترافِ الماءِ من خلال الـدلـوين . و يوجد على محيط الدولابَـين الأُفقي و العموديّ مُـسنَّـنـات يُطلق عليها مصطلح ( كـراكيـد ) ومفردها ( كـركيـد ) ومن خلال تعشيق هذه الـ مُسنّـنـات بعضها ببعض يتم نقلُ الحركةِ الميكانيكية.

كما يوجد مَحَّـالـة (بكـره) تقـعُ خلفَ الدولابِ العموديّ ليدورَ الحبلُ عليها.

ويبلغ عمق جبًّ المَـدار ثمـانيـةَ عشـرَ متـراً [18 م] تقريباً ، و أبعادُه ثلاثـة أمتـار بمتـرَيـن [3×2 م] تقريباً ، و قد تمَّ بناءُ جدرانه بأحجار البازلت ..

وقـد كان جب المـدار يقـعُ ضمن دار عربية قريبة من الحمام يفصلُ بينهما زقاق اتجاهـه (غرب - شرق) ؛ وقد زال هذا الجب في النصف الثاني من القرن العشرين.

جب المَـدار كان يستمدُّ مياهَـه من نهر العاصي بواسطة الأميّـة (قناة صناعية)، و تقع فتحة هذه الأميّـة على ضفة النهر اليمنى بين ناعورتَـي الجسرية و الكيلانية و هي أقرب الى ناعورة الكيلانية إذ تقعُ جانب الناعوره من جهة الجنوب - أي خلف الحاجز المائي الذي تشترك فية نواعير : الجعبريات والصهيونية والكيلانية.

و تمتدُّ هذه الأمية باتجاه الشرق مروراً بحي (الـزنبقـي) لتتوقفُ أمام جامع الأمـير الشهيـر بين العـامـة بـ (جـامـع البحصـة).

سوق الفرواتية في حماة

سوق الفرواتية

صورة جميلة لمدخل سوق الفرواتية (المدخل الجنوبي) يتميز هذا السوق بسقفه المعقود بالحجارة

(غمس) الصورة في اتجاه الشمال نحو سهلة الحاضر وسوق برهان.

• جهة الشرق على يمين الناظر
• وجهة الغرب على يسار الناظر 

لوحة ساحرة بريشة الاستاذ الفنان التشكيلي محمود شيخوني

مئذنة جامع الأمير والباب الشمالي الرئيسي للجامع .

اللوحة في اتجاه الجنوب نحو حي البارودية ،

حيث كان الرسام يقف في سوق الفرواتية.

جامع الأمير (جامع البحصة) سابقًا في مدينة حماة

جامع الأمير ومن قبل جامع البحصة: يقع هذا الجامع على ضفة النهر اليمنى, (منطقةالحاضر الكبير) في حي البارودية, بناه الأمير عبدالوهاب سنة 980 هجرية , 1572 ميلادية,
2020 - 1572 =448
لقد مضى على بناء جامع الأمير ( البحصة) , 448 سنة .
نستنتج من ذلك أن الجامع أقدم من قصر والي حماة محمد باشا الأرناؤوط .

جامع الأمير (البحصة)

جامع الأمير (البحصة)

• على يمين الناظر مئذنة الجامع ظاهرة .
• الصورة في اتجاه الشمال نحو سوق الفرواتية .

صورة جميلة لجامع الأمير البحصة

• ظاهر بالصورة مئذنة وقبة الجامع .
• الصورة في اتجاه الشرق نحو حي الشرقية والحميدية.

الحدود الجغرافية لجامع الأمير (البحصة) سابقاً.

• من الشرق حمام المدار.
• من الغرب نزلة الشيخ محمد المكنون التي توازي نزلة الشهيد سعيد العاص.
• من الشمال سوق الفرواتية وخان عبدالقادر العظم الذي آلت ملكيته لعائلة العساف ثم آلت ملكية الخان لعائلة العقاد.
• من الجنوب قصر الشيخ عبدالله بارودي الذي يقع ضمن حي البارودية.

نزلة الشيخ محمد المكنون تقع غرب جامع الأمير (البحصة) سابقاً وهي تمتد جنوباً نحو مدخل حي البارودية

( المدخل الغربي ) وقصر الأرناؤوط وحوض الشيخ مسعود التحتاني ، وتمتد شمالاً نحو مدخل سوق الفرواتية

( المدخل الجنوبي ) وفي وسط النزلة يقع قصر عبدالله بارودي وهو على يسار النازل.

منطقة الحاضر الكبير

في منطقة الحاضر الكبير سوق يعرف بسوق ( المدار ) وهذا السوق يتألف من زقاقين.

الزقاق الأول: يضم جب المدار ومنه أخذ السوق اسمه ، يمتد هذا الزقاق شمالاً نحو سهلة الحاضر ويمتد جنوباً نحو حمام الصغير أوحمام المدار، وكان يضم مدرسة الشهيد سعيد العاص ويضم أيضاًعدة عوائل عريقة.

• هي : السفاف • البيطار • قنوت • عرواني • جوهر • عثمان •

الزقاق الثاني: فإنه يضم الحمام ويمتد شرقاً نحو حي الشرقية ويمتد غرباً نحو حي الزنبقي ويعتبرهذا الزقاق الحد الفاصل بين جب المدار وحمام الصغير .

الزقاق الثاني كان يضم فرن الغاوي وعدة عوائل عريقة

• هي : السفاف • الأمير • الصليعي • عقاد • نجمة • الجزماتي •

ومن هذه الأميّـة أُخِـذَ فـرعٌ إلـى (جـبّ المدار) ، و كان يُطلق على هذه القناة (السلطانية) ولهذه القناة - أو الأميّـة - فتحـةٌ للتهوية وأعمال الصيانة كانت تقـعُ في حي الزنبقـي ويطلق عليها مصطلح (ضـويّه).

و بالقربِ من هذا الجب كانت تقعُ حمّـام المَـدار وتتغذى منـه بالمياه.

زقاق سوق المدار

الذي يمتد شمالاً نحو سهلة الحاضر ويمتد جنوباً نحو حمام الصغير, وهذه الصورة للجانب الشرقي من الزقاق ودور عائلة السفاف الكرام.

زقاق سوق المدار

و تـقع حمام المدار هـذه في منطقة الحاضر الكبير شرقـي جامع الأمير ( البحصـة ) بـمئـة متـرٍ [100 م] تقريباً

و تُعرف هذه الحمام لدى أبناء المنطقة بـِ ( حمّـام الصغيـر ) لأنه صغيرٌ جداً قياساً إلى باقي حمامات مـدينـة حماة ، و هي حمام خاصة لعائلـة الأمير ، حيث كان للحمام باب يفتح على دار العائلة المذكورة.

فيما يتجه باب الحمام الرئيسي الى الشمال .. والموقد (القمين) كان يقع غربي الحمام ، ويتمُّ النزول إلى الحمام بعدة درَجات . و قد هُـدم الحمام بعد عام 1982م بسنوات ، و مازالت اثارُه ظاهرةٌ للعيان.

و قـد قام ببناء الحمام ( الأمير عبد الوهاب بن يحيى - شيخ الأكراد ) في القرن العاشر الهجري حيث كان هذا الرجل "أمير لاي" في الجيش العثماني في حماة و هي رتبه عسكريّة.

الأمية (القناة)

هي عبارة عن قناة رئيسية كبيرة وشبكة من القنوات الصغيرة الفرعية وهذه الشبكة العنكبوتية العشوائية كانت منتشرة تحت البيوت والقصور والمساجد الخ..وهي عبارة عن شبكة من الأقنية العنكبوتية لها قناة رئيسية تتفرع عنها أقنية صغيرة. الأمية ( القناة ) هي قناة صناعية فتحتها تكون أسفل ضفة النهر مع مستوى قعر النهر لتتمكن مياهه من ولوج تلك القناة في معظم أيام السنة. إن منسوب قعر النهر و منسوب قعر جب المدار ومنسوب القناة ( الأمية ) متساوي أي منسوب واحد.

وهي تمتد تحت أغلب الدور في الأحياء القديمة حيث يتم حفر بئر ضمن الدار العربية بشكل عمودي الى مستوى الأمية وليس لهذه الشبكة العنكبوتية المعقدة مخططات ولم يتم حفرها دفعة واحدة وإنما هي عملية تراكمية . في كل سنة ومع بداية فصل الصيف يقوم الناس بتعزيل ( تنظيف ) تلك الأمية والجباب من الطمي المتراكم بسبب الأمطار. لقد فقدت الأمية وظيفتها التي أُنشئت من أجلها ولم يبقى منها سوى الذكرى.

المقدمة بقلم الاستاذ ياسر عرواني

المقال والشرح بقلم الأستاذ منجد منصور